استقلالية البنك المركزي الفلسفة والمبادئ وطرق القياس
الملخص
إن آليات الإصدار النقدي التي كانت تشترطها قاعدة الذهب بمراحلها كافة لم تترك المجال أمام السلطات النقدية أو الحكومية للتدخل في عملية الإصدار، إذ إن القيود الصارمة التي تعمل على وفقها بنوك الإصدار تعد بمثابة الجدار الذي يحميها من أي تدخل حكومي أو ما سواه، ولم تكن في حينها قد تولدّت بعد إشكالية الاستقلالية والتبعية وحدود التدخل. ولكن بعد هجر قاعدة الذهب بآخر أشكالها وهو الصرف بالذهب وانتهاء مفعول اتفاقية برتن وودز في مطلع سبعينات القرن الماضي وتخلي الولايات المتحدة عن دورها المحوري في النظام النقدي العالمي ظهرت إلى الوجود أنظمة نقدية تتيح للدول الحرية في الإصدار النقدي وتخفيض قيمة عملاتها وبدأت تظهر للعيان مشاكل وتأثيرات أو مساوئ التدخل الحكومي في عمليات الإصدار النقدي في الدول التي تحاول حكوماتها مدّ سطوتها وسلطتها على البنوك المركزية.
وبدأت تظهر أصوات الباحثين في نحت مفهوم الاستقلالية Independence بوصفها مصطلحا نقدياً Monetary Term ومناقشة الفلسفة التي يبنى عليها وتحديد المبادئ التي يعمل في ظلها. واحتدمت النقاشات بين مؤيدي ومعارضي الاستقلالية. وفي الوقت نفسه كان هناك باحثون اقتصاديون يعملون على وضع أسس القياس والتكميم وبناء آليات تحدد درجة الاستقلالية ومداها بشكل ترتيبي أو تقديري أو بشكل رقمي وتؤشر أهم الأبواب التي يأتي منها التدخل الحكومي.