أثر السيبرانية في تطور القوة
الملخص
إن التاريخ الإنساني محكوم بالقوة، بل هو جسده الواقعي حصيلة صراع القوى والنتيجة المعبرة عن هذا الصراع في مختلف مراحل التطور الإنساني؛ لكن أشكال القوة ومظاهرها هي التي تختلف من عصر إلى آخر، فقد كانت القوة العسكرية هي الحاكمة، بل وأبرز مظاهر القوة كما بدأت القوة الاقتصادية تتعاظم لتحكم العلاقات الدولية ابان الحرب الباردة، ومنذ نهاية الحرب الباردة، شهد مفهوم القوة جملة تغييرات لمواكبة التطور الحادث في حقل العلاقات الدولية، ويمكن التمييز بين مستويين للتغيير الذي طرأ على مفهوم القوة، مستوى خاص بالفاعل الذي يمتلك القوة، خاصة مع امتلاك فاعلين من غير الدولة بعض مصادر القوة والتأثير، ومستوى خاص بالعناصر المكونة للقوة، والأشكال المختلفة التي تتخذها القوة، ومن ثم يسعى هذا البحث لدراسة التغييرات التي أثرت على أشكال القوة، ولما للفضاء السيبراني من أثر مهم على تطور ممارسة القوة والنفوذ، ولما للمعلومة من أثر مهم في أداء الدول الاستراتيجي، وقد تناولت هذه الدراسة مسألة "القوة السيبرانية" كونها أصبحت مكوّناً هاماً في الاداءات الاستراتيجية للدول، ولان مفهوم القوة هو حجر أساس في العلاقات الدولية، خاصة بشكلها الصلب والعنيف فالقدرة العسكرية إحدى أبرز مقومات قوة الدولة، سواء كانت هذه القوة تستخدم بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق التهديد أو العقاب، اذ بذل المجتمع الدولي جهودا كبيرة من أجل تنظيم والسيطرة على استخدام القوة العسكرية، ومع التطور العلمي والتكنولوجي لم يعد الامر مقبولا أن تكون القوة العسكرية هي العنصر الحاكم في العلاقات الدولية أو حتى داخل النظام السياسي ذاته، بل وجب إحداث تغيرات على مفهوم القوة ليتواكب مع متغيرات النظام الحديث، الذي خيم ظهور الانترنت وانتشار المعلومة وتأثيرها الطاغي على إحداث تغييرات جمة في القيم السياسية وتوجهات الفاعلين من الدول ومن غير الدول. ولم تعد القوة مفهوما حكرا على الفاعلين من الدول اذ ظهرت فواعل جديدة استطاعت منح مفهوم القوة بعداً آخر لا يقتصر على البعد المادي فقط وانما يتعداه للأبعاد المعنوية والسيبرانية.